يوم استثنائي في مسيرتي المهنية (رسالتي لكم)
صحيح أنني كتبت العديد من النصوص الأدبية خلال مشواري، لكنني في كل مرة أقف أمام صرح اللغة العربية العظيم، أبدو كمن يقف لأول مرة أمام جمع غفير من الجماهير، ليلقي كلمة بينما رهبة المسرح تدب بين أوصاله.
في نهاية المطاف، بعد صقل ذائقتي الأدبية أكثر، حزمت أمري بالفعل لإضافة الخدمة الجديدة، وكانت المفاجأة متمثلة في تواصل عميلة أرادت شخصاً يكتب لها نصاً أدبياً بأسلوب إبداعي. انطلاقاً من هذه التجربة، دعوني أشارككم بعض المعلومات المهمة والأفكار المفيدة:
1) نماذج أعمالك تعكس براعتك:
مما جاء في الرسالة الأولى للعميلة: «وجدت لديك ما يشبه تصوري وآمل أن نحظى بفرصة للتعاون معاً». من خلال هذا السطر، يمكنك أن تستنتج بأنها اطلعت على نماذج أعمالي فأعجبتها، الأمر الذي شجعها على التواصل.
النماذج هي مقتطفات من مقالات قضيت أياماً لكتابة كل واحدة منها. أذكر حتى اللحظة تلك الساعات الطويلة التي أمضيتها يومياً لأكتب بضعة أسطر فقط، وكم كنت فرحاً بنشر تلك الأعمال فور إكمالها.
تلك الأعمال وغيرها مما شاركت على الإنترنت بشكل تطوعي دون أي أجر مادي، كانت سبباً رئيسياً لنجاحي وكسب قلوب بعض العملاء. فلا تقل: «ليس لدي نماذج أعمال، فأنا لم أبع خدمة واحدة بعد؟!»، بل اجلس ليوم كامل أو لأيام حتى من أجل إعداد نموذج عمل واحد؛ لأن الجهد الذي ستبذله في إعداد نماذج أعمال عالية الجودة سيعود عليك بفوائد عظيمة لا يمكن تصورها.
2) لا تبدأ عملاً قبل الإجابة عن كل استفساراتك:
لم أتردد لحظة واحدة في استيضاح كافة جوانب الموضوع المطلوب كتابته لأكثر من مرة قبل أن أعد العميلة بتقديم جودة مرضية، والتي كانت أكثر من متعاونة فأوضحت كل شيء بالتفصيل، مع تزويدي بأمثلة لكتابات تريد شيئاً مشابهاً لها من حيث الفكرة، ونقاط مكتوبة في صفحة منفصلة عرضت عبرها ملاحظاتها بعناية فائقة (مبادرة رائعة من طرفها، ساهمت في خروج العمل بأفضل صورة).
3) ضع الوقت الذي تراه مناسباً للتنفيذ:
عرضت في الخدمة عدد كلمات قليل مقارنة بوقت تنفيذ طويل نسبياً من باب الاحتياط، فكانت النتيجة أنني أنهيت العمل خلال بضعة أيام فحسب (عندما تضع وقت تنفيذ وجيز لبعض الخدمات، تشعر بالضغط الذهني والنفسي فيتأخر إبداعك ويتجمد قلمك أحياناً، والعكس صحيح).
إن أي عمل يتطلب تفكيراً مطولاً، ومخيلة خصبة، يحتاج فرصة حتى ينضج داخل عقلك وقلبك قبل أن تخرجه إلى العالم في هيئة كلمات. لهذا تدفع الشركات مبالغ طائلة من أجل تزويدها باسم فريد لا يتجاوز كلمتين أو ثلاثة أحياناً، لكنه يتطلب من المبدع ساعات وربما أياماً حتى يأتي به.
عندما تكتب، أو تصمم، أو تقوم بأي عمل إبداعي فلا تستعجل النتيجة، بل دع الأفكار تتخمر، وأعطِ نفسك الوقت الكافي من خلال إخبار العميل بأهمية منحك مساحة زمنية مرنة حتى تقدم له الجودة المنشودة.
4) كيف تضمن استلام العمل من المرة الأولى؟
لا يوجد ضمان أكيد لعدم طلب العملاء للتعديلات فهذا حق لكل من يطلب خدماتك، واختلاف الأذواق يستدعي أحياناً مطالبتك ببعض التغييرات على النص المكتوب. لكن حين تضع روحك فيما تكتب، ولا تنظر إلى العائد المادي بالدرجة الأولى؛ فعندها ستبدع في كتاباتك، وتصل كلماتك إلى عقل العميل ووجدانه، لتجد معظم من يتعاملون معك يقبلون النص الأول الذي تقدمه لهم دون مطالبة بأدنى تعديل، وهذا ما حصل معي عشرات المرات خلال أكثر من 6 سنوات في مجال تقديم خدمات الكتابة الإبداعية وغيرها.
5) لا تبدأ الكتابة فوراً، بل اقرأ أولاً:
قبل شروعي في كتابة النص المطلوب، عمدت إلى قراءة عشرات الصفحات الأدبية من مصادر متنوعة لإغناء مفرداتي أكثر، وإعادة شحن ذاكرتي بكلمات أعرفها مسبقاً لكنني لم أستخدمها منذ مدة، واستلهام الأفكار لكتابة شيء جديد وحصري.
قضيت اليوم الأول بأكمله في التفكير والتأمل والقراءة دون أن أخط كلمة واحدة، وفي اليوم الثاني حدثت المعجزة حيث قفزت الأفكار إلى ذهني تباعاً، وتدفقت المفردات كأنني فتحت نافذة على بحر اللغة فأغرقني بكرمه.
وبعد وقت من الكتابة أصبح الموضوع جاهزاً للتسليم، فأرفقته وأنا أترقب رد العميلة بفارغ الصبر (يحدث ذلك عندما تكتب من قلبك). انقضت دقائق معدودات، فجاءني الرد بالقبول والامتنان، تلاه تقييم رائع صنع يومي لأنه صدر عن إنسانة مثقفة لم تخطئ في كلمة أو علامة ترقيم واحدة في أكثر من خمس رسائل متبادلة، وكانت صياغتها اللغوية غاية في الإتقان والبراعة، مما حملني مسؤولية أكبر لكتابة نص يرقى إلى مستوى توقعات شخص يبدو واضحاً أنه ضليع بالأدب والفن.
6) مزايا العملاء من ذوي النخبة:
العميل من ذوي النخبة ليس الغني المترف، ولا المثقف المتطلب؛ بل هو الإنسان الذي يعشق القراءة، ويقدر الكتابة، ويدفع نظير الإبداع والخبرة، لا مقابل حجم العمل (يطلب النوعية لا الكمية)، فضلاً عن إتقانه فن التواصل الإنساني، وتواضعه الشديد أمام الآخرين.
كيف تعرفه؟
أ) يحرص على مخاطبتك باسمك الأول.
ب) يبدأ رسالته بالتحية، ويختتمها بعبارات الود.
ج) يقدر جهدك وخبرتك من الناحية المادية والمعنوية.
د) يجيب عن استفساراتك بصدر رحب، ويستفيض في الشرح.
هـ) لا يستخدم صيغة الأمر مثل: (أريدك أن تكتب لي هذا النص)، بل يستعمل عبارات مثل: (من فضلك هل تكتب لي هذا النص؟).
7) طلب الرسوم المناسبة:
المسألة ليست مادية بالدرجة الأولى، لكننا جميعاً نعمل من أجل الحصول على عائد مادي يعيننا على قضاء متطلبات الحياة. لهذا فحين تعلم يقيناً أن العمل يتطلب وقتاً طويلاً وجهداً كبيراً، فلا تتردد في طلب الأجر الذي تجده مناسباً.
حين أخبرت العميلة حول سعر الخدمة، لم تعارض أو تناقش بل تركت عبارة جميلة مختصرة: «يهمني أن تجد نظير جهدك»، وطلبت الخدمة على الفور. وعند التسليم لم تطالب بأي تعديل يذكر، بل قبلت العمل كما هو.
وأخيراً، لا شك أن العثور على عميل ينتمي لهذه الفئة الخاصة أمر نادر الحدوث، لكنهم موجودون عزيزي البائع. قدم أعمالاً راقية، وضع روحك فيما تعمل، وسوف تلتقي بأحدهم ولو بعد حين.
كان يوماً استثنائياً لكل الأسباب المذكورة مجتمعة. يقول جبران خليل جبران: «ليس من يكتب بالحبر كمن يكتب بدم القلب».
https://i.suar.me/j95Qx/l
التعليقات (34)
