السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. إخوتي وأخواتي، أرجو أن تكونوا بكلّ خير.
في المنشور الماضي ذكرت شيئًا من أهمّيّة اللغة العربيّة للبائع الحرّ، مع أمثلة لأكثر من عمل، وأتبعتها بأبرز الحلول الّتي يحتاج الشخص إلى أن يُلمّ بها ليكتب نصًّا صحيحًا، وكان ما كتبتُ موجَّهًا إلى عموم الباعة، ولكم أن تقرؤوه عند الضغط على الرابط أدناه: https://khamsat.com/community/stories/436938
أمّا مقالة اليوم، فهي لكلّ من يعمل في مجال الكتابة، للمحرِّر والكاتب والمترجم ومفرِّغ النصوص، ولكلّ من يريد الكتابة بشكل سليم، مهما كان السبب.
ما سأذكره في الفقرات التالية نصائحُ تُجمِّل النصوص وتُذهِب الركاكة، وأدوات تُيسِّر وتُعجِّل من العمل.
1- أوجِزْ استغنِ عن الكلمات الزائدة، الّتي ترى أنّ حذفها لا يُنقِص من معنى النصّ شيئًا، فبدلًا من: "برنامج «Word» عبارة عن برنامج لكتابة وتنسيق النصوص"، قل: "«Word» برنامج لكتابة وتنسيق النصوص"، فكما ترى -عزيزي-، لفظة "عبارة عن" ليست إلّا حشوًا في الكلام، مهما اختلف موضعها.
2- شَكِّلْ • حرِّكْ ما تظنّ أنّ القارئ سيفهمه بمعنى مغاير لما تريد، فالكلمة في العربيّة قد يتغيّر معناها بتغيير حركة واحدة، ولَربّما تغيَّر معنى الجملة إلى العكس تمامًا! • ناهيك بالإعراب، لنقرأ الآتية الكريمة: «إنّما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ»، معناها واضح، لكن تخيّل، لو لم توضع الفتحة على لفظ الجلالة، لَاختلّ المعنى تمامًا، ولَقرأتَ الاسم -على غفلة- مضمومًا، فينقلب المعنى! لأنّ المفعول به سبق الفاعل. ففي مثل هذه الأمثلة يُستَوجَب عليك وضع تشكيل الإعراب. • ومن الأخطاء الشائعة، كتابة الحركة في الحرف المشدّد من دون وضع الشدّة، فيُقال "جدًا/جداً"، والصواب "جدًّا/جدّاً"، لأنّ وضع الشدّة على حرف يعني أنّ أصله حرفان، أوّلهما ساكن والثاني متحرّك، فأصل الكلمة "جِدْدًا/جِدْداً"، أمّا بحذف الشدّة فأنت تحذف حرفًا، وكما تعلم، فالفعل "قرَأ" ليس كالفعل "قرَّأ". * باستطاعتك كتابة الحرف بشدّة وحركة، أو شدّة فقط، أو من دون شدّة ولا حركة، لكن يُفضَّل وضع الشدّة.
3- نَوِّع كلماتِك • اسعَ إلى استعمال المرادفات بدلًا من إعادة ذكر ذات العبارة في نصّك، لأنّ في التَّكرار شيء من الرَّكاكة، فلَكَ أن تلحظ الفرق بين "يُشكِّل الشعر العربيّ عاطفة عظيمة ونغمًا عظيمًا وأسلوبًا عظيمًا"، وبين "يُشكِّل الشعر العربيّ عاطفة جيّاشة ونغمًا عذبًا وأسلوبًا جَزْلًا". • كيف ذلك؟ ببساطة، اسأل معلّمنا "Google"، فمثلًا، بمقدورك أن تكتب "مرادفات كلمة رائع"، لتظهر لك عشرات الكلمات، تختار منها ما يناسب نصّك. • وإن شرَعتَ في ذكر أمثلة، فلك أن تختمها بـ"وهكذا دَوالَيْك" مرّة، و"وهَلُمَّ جَرًّا -بتشديد الراء وتنوينها-" مرّة، و"على هذا المنوال" مرّة، فإن كان استعمالك لها بكثرة وفي نصوص متقاربة، فيُفضّل التنويع في كلّ مرّة، أمّا إن كان استعمالها قليلًا وفي نصوص متباعدة، فلا بأس في استعمال واحدة، وهذا رأيي الشخصيّ.
4- زِدْ مفرداتِك • ابحث عن معنى أيّ كلمة تواجهك، وهذا أهمّ أمر في زيادة حصيلتك اللغويّة، سواء كانت في آية قرآنيّة أو مقالة أو بيت من الشعر أو كتاب... • إنّ البحث عن المرادفات ليس بكافٍ لزيادة الحصيلة اللغويّة، فهذه المواقع لا تعطيك سوى كلمات مشابهة بالمعنى، لكنّها مختلفة بالدلالة اللغويّة، ومعرفتك معانيَ مختلفة يرفع من جودة صياغتك للكلمات. • ليس عندي معجم، ما الحل؟ ومَن بات يستعمل المعجم الورقيّ في وقتنا الحاضر؟ الإنترنت مليء بالمعاجم الإلكترونيّة، منها الموجِز ومنها ما يذكُر التفصيل كاملًا.
5- استعمل علامات الترقيم • بالإضافة إلى إضفاء جمال على النصّ، تُغيّر علامات الترقيم المعاني وتنقل إحساسك، فعندما تكتب نصًّا عن بنت فارقت أباها سنوات طويلة، وتقول فيه: "في دجى الليل، وسط هدوء مطبق، يعلو صرير الباب، فتزداد معه نبضات قلبها... وإذا بها تُدرِكُه!"، لاحظ فائدة وضع الفواصل وعلامة التعجّب، أظهرت مشاعر الكاتب، بجعل القارئ يتأنّى بقراءة النصّ، ويدرك التعجّب عند رؤيته علامة التعجّب. جرّب الآن قراءة النصّ من دون علامات ترقيم، سيكون -بلا ريب- ناقصًا. * النصّ كان ارتجاليًّا، لم أجرّب كتابة القصص من قبل، فتحمّلوني وفّقكم الله. ووضعت "..." للدلالة على أنّ الكلام محذوف، لأنّي لم أُرِد كتابة أحداث قصّة كاملة. • وأمّا عن المعنى، ففكّر في الفرق بين من يقول: "لا أريد..."، ومن يقول "لا، أريد..."، فالأوّل لم يُرِد، والثاني أراد، لكنّه أجاب على سؤال مختلف، مثل: "أترغب في تأجيل الامتحان؟"، فقال: "لا، أريد أداءه الآن". فكّر في النصوص المذكورة في الفقرة، وإن أحببت اذكرْ مثالًا في التعليقات عن اختلاف المعنى بتغيير علامات الترقيم. • ومن الأخطاء الشائعة الترجمةُ النصّيّة من بعض اللغات -كالإنكليزيّة والفرنسيّة- عند تعداد أشياء مختلفة، فيكتب المترجم مثلًا: "التسجيل مفتوح للجميع، رجالًا، نساءً، صغارًا، كبارًا، عاملين وعاطلين"، فيضع حرف العطف الواو قبل آخر كلمة فقط. إنّ الفاصلة لا تغني عن حرف العطف في اللغة العربيّة، والصواب -بتنسيق- سيكون: "التسجيل مفتوح للجميع، رجالًا ونساءً، وصغارًا وكبارًا، وعاملين وعاطلين". • ولس شرطًا أن يختلف المعنى عند إهمالك علامات الترقيم، الأهمّ أن يكون نصّك صحيحًا ومُستساغًا، لا فقط مفهومًا.
6- اختصِر جهدًا • باستعمال البرنامج «Word»، بإمكانك اختصار الكثير من الأعمال الروتينيّة، منها أن تضغط على الاختصار "Ctrl + H"، لاستبدال أشياء متشابهة، فإن كان في النصّ الّذي تعمل عليه فراغ قبل كلّ فاصلة، بإمكانك كتابة " ،" في مربّع "البحث عن"، و"،" في مربّع "استبدال بـ"، وبعدها سيحذف كلّ فراغ قبل الفاصلة، ليوفّر عليك جهدًا ليس بقليل. أو استبدال كلّ "برغم"، بوضع " على الرغم" مكانها، بضغطة زرّ واحدة، وهذه تنفع في الملفّات الكبيرة. • ولك أيضًا أن تعرض نصّك على «Word» ليُعلِمك بالأخطاء الإملائيّة المحتملة، من خلال الضغط على "مراجعة"، ثمّ "تدقيق إملائيّ وتدقيق نحويّ"، لينبّهك على ما قد تكون غافلًا عنه. وليس عليك أن تعتمد عليه اعتمادًا كلّيًّا، فهو مجرّد آلة مبرمجة على أداء معيّن، ليس بالضرورة أن تكون صوابًا دائمًا. • والمزيد، بمشاهدة مقاطع اليوتيوب.
7- اقرأ وأخيرًا، إن كان باستطاعتك تخصيص وقت لقراءة الكتب، أو قراءة اليسير بأوقات الفراغ، فستكون النتيجة مُبهِرة، لأنّك لن تكتسب معلومات وخبرات وتطوّر في تفكيرك فحسب، بل ستزيد من حصيلتك اللغويّة وتطوّر أسلوب كتابتك، وهذا يعتمد على نوع الكتاب الّذي تقرأ.
ختامًا، آمل أن تصل الفائدة المرجوّة إليكم، وأرجو أن أكون قد وُفِّقت في ترتيبي للأفكار. إن كانت عندكم ملاحظة عن المقالة أو أيّ إضافة، فسأكون سعيدًا لو طرحتموها في التعليقات. دمتم مبدعين.
إلى فريق خمسات العزيز: حُذِف هذا المنشور البارحة، وكان للحذف سببان: أوّلهما أنّ المنشور كان حاويًا روابطَ وأسماء لمجموعة من المواقع. بعد إرسالي تذكرة إلى الدعم الفنّي، ذكّروني -مشكورين- بشروط الموقع، وأنّ نشر الروابط -مهما كانت- يُعدّ ترويجًا، فحذفت الروابط، رغم أهمّيّتها. أمّا السبب الثاني فأنّ المنشور عامّ ولا علاقة له بموقع خمسات، وأرى إعادة النظر في ذلك، فهذه المقالة ستنفع -بلا شكّ- كلّ من يعمل في مجال الكتابة، وهذا ما يريد موقعُ خمسات من هذا القسم (تجارب وقصص المستخدمين)، أن نشارك مع بعضنا تجاربنا، لينتفع بها من يحتاج إليها.
من أجمل ما قرأت في مجتمع خمسات على الإطلاق، فسلمت يداك صديقي مصطفى على هذا المقال الرائع. وسعيد جدَّاً بانضمام إنسان مميز مثلك إلى الموقع، في وقت نحن بأمسِّ الحاجة فيه إلى أمثالك ممَّن يتقنون اللغة العربية الفصحى.
الأختان شادية وإحسان، الأخوان محمد ونصر، جزيل الشكر لكم -يا أفاضل- على تعليقاتكم الجميلة. يسرّني أنّ المقالة نالت استحسانكم، وانتفعتم منها. وفّقكم الله في أعمالكم، ورزقكم من نِعَمه.
صديقي المبدع نبراس، شكرًا على عذوبة كلماتك، سعيد أنّك استفدت ممّا كتبتُ. * ولإيضاح معلومة التنوين مع الشدّة: تنوين الفتح -في كلمة مثل "جدّاً/جدًّا"- يُعود على الحرف الّذي يسبق الألف، فسواء كتبنا التنوين على الألف أم على ما قبله، يبقى الألف غير متحرّك ويُكتب من دون أن يُنطَق، فنقول: "جدّاًً/جدًّا"، ولا نقول: "جدَّاً".
كل التحية عزيزي مصطفى، وشكراً على التوضيح. أعتقد أنك تقصد أنه بوسعنا كتابتها هكذا (جدّاً) أو (جدًّا)، لأنك في تعقيبك الأخيرة وضعت تنوين الفتح مرتين فوق حرف الألف (جدّاًً)، أم أن ذلك مقصود؟ وما السبب في ذلك؟ لكن ما سبب في عدم جواز وضع الفتحة فوق الشدة في هذه الحالة (جدَّاً)؟ وهل تقصد أن كلمات شبيهة من مثل: (قويَّاً - أبيَّاً - سموَّاً)، لا يجوز فيها كذلك وضع فتحة فوق الشدة الموجودة على الحرف قبل الأخير، وأن الكتابة الصحيحة هي: (قويّاً أو قويًّاً - أبيّاً أو أبيًّا - سموّاً أو سموًّا)، ولماذا؟
سبب سؤالي صديقي هو التالي: أظن أنه في إحدى النقاشات السابقة التي دارت بين باعة خمسات، اطلعنا بشكل مفصل على عدة مقالات، وأذكر أنني كذلك اطلعت على كتاب في قواعد اللغة العربية "للأسف نسيت اسمه"، وتبيَّن أن هنالك مدرستان؛ واحدة ترى أن تنوين الفتح يعود على الحرف قبل الأخير كما تفضَّلت، وأخرى يعتقد أصحابها أن تنوين الفتح "على سبيل المثال لا الحصر" يعود على الألف، وبالتالي ألا يكون وضع الفتحة فوق الشدة الموجودة على حرف الدال في كلمة "جدَّاً" صحيحاً في هذه الحالة (على اعتبار أن تنوين الفتح يعد على الألف وليس على حرف الدال"؟
أعتذر بشدّة، فكتابتي تنوينين على الألف كانت سهوًا، والصواب: جدّاً.
أمّا عن سبب عدم جواز وضع الفتحة على الحرف المُنوَّن، فلأنّنا نكتب "جِدٍّ" و"جِدٌّ"، ولا نضع حركة في الدال مع التنوين، لأنّ التنوين أساسًا حركة، وفي تنوين الفتح تُضاف ألف زائدة، والتنوين الّذي يوضع على الألف عائد على الحرف الّذي سبق الألف، فلا يُمكننا كتابة فتحة على الدال في "جدّاً"، لأنّ تنوين الفتح حركة للدال أساسًا، حاله كحال تنويني الكسر والضمّ، ولهذا أؤيّد المدرستين المصريّة والحجازيّة في رسم التنوين على الحرف الّذي يسبق الألف، لأنّنا ننطق التنوين على الحرف لا على الألف الساكنة.
وربّما سبب وضع الألف الزائدة في أغلب الكلمات عند تنوينها هو تمييزُها عن الممنوع من الصرف، فنقول: "أعطني تصاميمَ وصورًا جديدة"، فـ"تصاميم" غير منوّنة، لأنّها ممنوعة من الصرف (على وزن مفاعيل)، وعند الوقف ننطق الألف، فنقول: "أعطني صورَا"، بينما لا ننطقها في الممنوع من الصرف، فنقول: "أعطني تصاميمْ".
وهذا يُطبَّق على كلّ الكلمات المصروفة (الّتي تُزاد بألف عند تنوينها بالفتح)، مثل: قويًّا/قويّاً - أبيًّا/أبيّاً - سموًّا/سموّاً...
أجل، فالمدرستان المصريّة والحجازيّة ترسمان التنوين على ما قبل الألف، والمدرسة الشاميّة ترسمه فوق الألف، ولكلّ مدرسة أسبابها، ومن حجج المدرسة الشاميّة -الّتي أتذكّرها- أنّ التنوين يأتي دائمًا في نهاية الكلمة، فالأفضل كتابته فوق الألف، والسبب الثاني أنّهم يكتبون التنوين على الألف لمنع التقاء الساكنين (جِدًّا = جِدَّنْ + اْ). أمّا الحجّة الأولى فهي ليست سوى تنسيق للنصّ لا يُرَدّ عليه. وأمّا الحجّة الثانية، فأين الساكنان لنمنع التقائهما؟ الألف زائدة، نكتبها من دون أن نلفظها، ومسألة التقاء الساكنين تكون بالنطق لا الكتابة.
عن موضوعنا الأساسيّ، المدرسة الشاميّة لم تضف حركة، فقط أزاحت التنوين وتركت ما قبل الألف من دون حركة، لأنّ التنوين عائدة إلى ما قبل الألف نطقًا.
في الحقيقة، أحد أسباب وضعي للتنوين على الحرف الأخير، أنني أراه من وجهة نظر شخصية بوصفي كاتباً أجمل من الناحية الجمالية والشكلية، ولاقتناعي ببعض مبررات المدرسة الشامية.
لكنني أؤيدك فيما قلت، فلكل مدرسة حججها ومبرراتها، ولكل واحدة مآخذها على منهجية المدرسة الأخرى، لذلك لم يستطع أحد حتى اليوم حسم هذا الموضوع واعتماد رسم واحد وهو ما كنت أتمناه صراحة.
أخواتي الكريمات مرام وميّادة وآية، شكرًا لكنّ على جمال ما كتبتنّ، من دعاء وثناء. أسأل الله أن يوفّقكنّ في مسيرتكنّ في العمل الحرّ. مسرور بانتفاعكم بالمقالة.