هذهِ تجربةٌ حقيقةٌ، ومسرحُ أحداثِها موقعُ خمسات، وتنْتهِي بسُؤالٍ يحتاجُ إجابةً واضِحةً وصادِقةً.

طلبِ منِّي أحدُ الأشقَّاءِ خدمةَ تدقيقٍ لغويٍّ، على أنْ تشْملَ الخدمةُ تشكيلاً كاملاً لجميعِ أحرفِ الكلمةِ، وفي أدبٍ شديدٍ طلبَ عينةً منْ العملِ بأنْ أرسلَ نصاً قدْ ظلَّلَ بهِ عدداً من الكلماتِ (60 كلمةً تقريباً)، وطلبَ تدقيقَها وتشكيلَها.

وافقتُ قائلاً: على الرَّحبِ والسَّعةِ، وقمتُ بتدقيقِ العينةِ، وأرسلْتُها له، وطلبتُ منه أن يُخْطِرَنِي إنْ وصَلَتْ إليْه، فردَّ بأنَّه تسلَّمَها، وأرْدَفَ قائلاً: (سأنظرُ إليها عندما أفرغُ).

وقدْ كانَ لِهذا الرَّدِّ وقعُ الصاعقةِ على نفْسِي، فهو لمْ يشكُرْني، ولمْ يحدَّدْ وقتاً للردِّ، ولمْ يُبْدِ أيَّ اهتمامٍ بما قدَّمْتُه من جُهدٍ، ويظُنُّ أنَّنِي رهْنٌ لوقتِ فراغِه (هكذا فسَّرْتُ ردَّه)، فاسْتَشَاطَ قلْبِي غضَباً وعلَى الفورِ وَجَدْتُني أضْغَطُ على زِرِّ (منع وتبليغ) مُعْلِناً عدمَ الرَّغْبةِ في التعاملِ معَه نهائياً (الآنَ أوْ مستقبلاً)، وبالفعلِ تمَّ المنعُ،وقامَ الموقعُ مشْكوراً بحذفِ الرسائلِ المتبادلةِ بيْنِي وبيْنَه.

وبعدَ يوْمينِ وَرَدَ إلىَّ تنْبيهٌ من موقعِ خمسات، يحْتوِي رسالةً من الأخِ الشقيقِ، هذا نصُّها:

"توصلت معك في الأيام القليلة الماضية وزودتدك بعينة من مستند كنت أرغب في تشكيله وتدقيقه، ولكن يبدو أنه حدث هناك سوء فهم من قبلكم قابله انشغالي ببحثي.
لذا أود أن أشكرك على تلك العينة الجميلة وأوفي عليك بحقك، علماً أنني حاولت التواصل معك فلم أستطع وحاولت الاطلاع على العينة مرة أخرى بعد أن مررت عليها سريعاً فلم أستطع
دمت بود .."

(المسئوليةُ عنْ السَّلامةِ اللُّغويِّةِ تقعُ على صاحبِ الرِّسالةِ):

ولا أُخْفيكُمْ سِرَّاً أنَّنِي بعْدَ قراءةِ هذهِ الرِّسالةِ، غَمَرَنِي شعورٌ بالرِّضَا، فقدْ فهِمَ أخي الشَّقيقُ معْنَى تَصَرُّفِي، وكانَ ردِّي علَى رسالتِه كَمَا يَلِي:

أخِي ..... السَّلامُ عليْكُمْ ورحْمةُ اللهِ وبركاتُهُ،

تقْديمُ الخدْمةِ أمْرٌ مُشْتركٌ بيْنَ البائعِ والمشْترِي،
فإذِا لمْ تَكُنْ مقدِّراً ما يُقدِّمُه البائعُ منْ وقتِه وجهْدِه،
وإذَا كُنْتَ تَظُنُّ وقْتِك أثْمنَ منْ وقْتِه؛ فلا حاجةَ للاسْتمرارِ.

ولقدْ آثرْتُ عدمَ إتمامِ العملِ حرْصاً على بقاءِ المودةِ والأُخُوَّةِ.
وأتمنَّى لكَ التوْفيقَ.

وهكَذا أزْعُمُ أنَّنِي خرجْتُ منْ هذهِ التَّجْرِبةِ رابِحاً شيْئَيْنِ ثمينَيْنِ:
أوَّلُهما أنني ربحْتُ احْترامي لنفْسي كبائعٍ، وثانيهُما أنني ربِحْتُ احترامَ الأخِ الشَّقيقِ معَ بقاءِ المودَّةِ بيْني وبيْنه، بقطْعِ النَّظرِ عن التَّعاملِ الماديِّ.

والسُّؤالُ الَّذي أطْرحُه عليْكُم أيُّها الإخْوَةُ:

منْ الأكْثَرُ احْتِيَاجاً لِلآخَرِ المُشْترِي أمْ البَائعُ؟ ومَنْ يُفْتَرَضُ أنْ ينْتظِرَ صاحِبَه؟
عن الموضوع

التعليقات (5)

منذ 6 سنوات و11 شهر
الهدف من هذا المقال أن يسود التقدير المتبادل بين كلٍ من المشتري والبائع بأن يقدر كلٌ منهما صاحبه مع الاحتفاظ بتقديره لذاته.
منذ 6 سنوات و11 شهر
السلام عليكم
أحييك أخي الكريم على ما قمت به فمهما كانت المغريات فكرامتك أهــــم من كنوز العالم
للأسف فما فعله هذا الأخ " قلة إحترام صارخة " و مهما كانت ظروفه كان لزامــــا عليــــه
على الأقل شكرك لا لشيء فقط لأنك إحترمته و نفذت رغبته بغض النظر عن جودة عملك
و ما حز في نفسي أكثر أنه رد عليك لكنه لم يشكرك على إستهلاكه لوقتك و إنما ذكرك
بقيمة وقته و هذه أعتبرها أنانية مجحفة ..

أعيد و أكرر البائع و المشتري يكونان سلسلة كل يفيد الأخر و لكن يبقى للبائـع القيمـــة
الأبرز في هذه السلسلة لأنه ببساطة هو " المنتج " و الأخر مستهلك لا غير و الإنــتــاج
عبر لعصور " مقدس عند الشعوب " فبدونه سيموت المستهلك .. فالعميل سيدفع و لكن
المستقل سيبدع و ينفذ و لو كان العميل قادر على الإستغناء عن المستقل لقام بتنفيذ
الخدمة بنفسه و لا يلجأ للبائع ..

في الأخير أدعوك أخي في الله الى طي هذه الصفحة و مسامحة هذا الأخ و التعامل معه
بشكل عادي لانك أعطيته الدرس المثالي و لا يستحيل ان يعيد فعله معك ( مجرد رأي )

بالتوفيق للجميع
منذ 6 سنوات و11 شهر
فعلا اخي فقد قمت بالشيئ الصائب. مكانك لقمت بنفس العمل فالبائع ليس رهينا بوقت فراغ المشتري
على اي الربح المعنوي و ربح الصداقات اهم من الربح المادي.
منذ 6 سنوات و11 شهر
أخي الكريم صدام أشكر فيك الثقة والاعتداد بالنفس،
ولقد انتهى الموقف بالنسبة لي، لكني أحببت أن أشارككم تجربتي
أسعدني تعليقك ومشاركتك الثرية
منذ 6 سنوات و11 شهر
أخي الكريم رضا أشكر مشاركتك الجادة
بالفعل الربح المعنوي لا يعادله ربح آخر
أسعدني تعليقك ومشاركتك
عن الموضوع