في الرابعة والعشرين
" قصة قصيرة"

"في الرابعة والعشرين من العمر تتمنى لو َلم تكبر"

هدأ الليل تماماً إلا من ضجيج افكاري والتي دائماً ما تؤرقني وتحرمني ولو القليل من النوم, اليوم مرت أربعة عشر يوماً وأنا عالق بين جدران هذه الغرفة لا أدري ماذا أفعل حقاً بعد قرار السلطات والذي يمنع الجميع من التجول والخروج إلا للضرورة القصوى.
وأنا كل حياتي تتمحور حول ثلاثة ضروريات - بالنسبة إلي- الجلوس في المقهى لساعتين, شحن بعض الرصيد لتفعيل خدمة الإنترنت,والحصول على علبة سجائر .
باتت ممارسة ضرورياتي شبه معقدة إن لم تعد مستحيلة بعد قرار الحظر هذا, لكن سابدأ بفعل روتيني هذا بداخل المنزل طالما لايوجد ما أفعله بالخارج.
دخلت إلى المطبخ بحثاً في علب الأشياء عن الشاي الأسود.... آه تذكرت أني تناولت آخر كمية منه أيام تصحيحي للإمتحانات..نسيت أن أخبركم حيث أعمل بتدريس اللغات الأجنبية في إحدى المدارس الإبتدائية , والحجر الإلزامي قد منعني من رؤية تلاميذي وهذا شئ جيد , لأنه لا يوجد أسوأ من تمضية يوم كامل برفقة صبية مزعجين والإصابة بالصداع الدائم بنهاية الإسبوع بحيث لا تكفيك كل وصفات الطبيب بالتخلص منه.
عدت إلي غرفتي مجرجراً أذيال أول هزيمة لي في ممارسة حياتي وإحتياجاتي الضرورية داخل المنزل , إستلقيت على السرير ومددت نظري لإعلى السقف , لاحظت تشققات بارزة على جدران الغرفة شبهتها بنبتة "النعناع"...هل قلت النعناع؟ نعم , تذكرت أني قد ابتعت من أحد الفريشة ربطة نعناع قبل اسبوعين من الآن.
عدت إلى المطبخ مرة أخرى وضعت النعناع مع قليل من الماء على النار ,بعدها وضعت قليل من السكر , أول رشفة من ذاك الكوب أعاد إلي الشعور ببعض الإنجاز حسب مخطط الضروريات الذي إرتضيته لنفسي.
الآن لا أفكر سوى في شحن جهازي بالرصيد للولوج لخدمات الانترنت , ليست لدي نقود على الإطلاق ,يا إلهي! وسبب هذا أني لم أصرف مرتبي منذ شهر ونصف , يحدث هذا عندما تتعامل مع بعض الإدارات التي تفتقد للمهنية وتقنع العاملين ببعض الحجج الواهية ,كما أن الإغلاق الإجباري للمدارس كان ما يريده المدير بالتحديد, لا أهتم به كثيراً, الجشعون ما أكثرهم في مجتمعاتنا!
بين كومة الأوراق في أعلى رفوف الدولاب عثرت أخيراً علي مبلغ عشرين جنيهاً, رغم بؤس منظرها لكنها أعطتني قدراً من السعادة عند رؤيتها,حمدت الله على ذلك ,توجهت مسرعاً للمتجر الذي بقربي ليبتاعني الرصيد, نظرت إليه ولسان حاله يقول لي : أياك أن تأتي مجدداً هنا, فأنا لم أنسى مديونيتك للعام السابق والتي تجاوزت حاجز المائة وخمسون جنيهاً.
عدت إلى غرفتي وإحساس النشوة لم يفارقني بحصولي على الرصيد, دخلت على الفايسبوك ,لا جديد كالعادة منشورات مكررة تزيد عليك الملل,النوم يداعب مقلتي وأفكاري ما تزال تمارس هوايتها المفضلة الصراخ والإزعاج..مرة أخرى عدت إلى الفيسبوك , أصعد وأنزل بدون أدنى تفكير ,, ولكن جذب إنتباهي منشور لصديقةحول العمل من المنزل وشئ من هذا القبيل , إتبعت خطوات الشرح بدافع الفضول أولاً بين مصدق ومكذب ,و ثانياً بدافع قتل ذلك الفراغ الممل, أنشأت حساب على الموقع , تعرضت لبعض العقبات في بادئ الأمر , قدمت خدمات الترجمة لثلاث لغات ولمدة ثلاثة أيام لم أحظى بأي عرض.قمت بزيارة قسم الطلبات لكن لم يستفسر أي من العملاء عن خدماتي..الفراغ قاتل ورصيدي من الإنترنت يوشك على النفاذ, مما يعنى المواجهة الحتمية مع الفراغ و هذا ما أخشاه.
خطرت لي فكرة عبقرية , ربما هناك إحتمالية معاناة عدد من الأشخاص من نفس المشكلة - الفراغ- قدمت لهم إقتراحاً جيدأ, وسميت الخدمة "إملأ فراغك"والفكرة تقوم على تحديد مهام للشخص ذو الفراغ لإنجازها وتقييمه والأفكار في الغالب شيَقة و مفيدة وسهلة التنفيذ وفي المقابل أحصل على مبلغ معيَن من المال.
في أول يوم لطرح الخدمة كان هناك 3 عملاء وفي اليوم الثاني 5 وفي اليوم الثالث 7وهكذا إلى أن وصل العدد ثلاثون شخصاً متفرغاَ خلال إسبوع بإنتظار وضع جدول لهم ..إكتفيت بهذا العدد من العملاء والمشروع كان مربحاً للغاية بالنسبة لي, أصبحت مشغولاً بعض الشئ بوضع الخطط للمتفرغين كي لا يصابوا بالملل.
أمارس هوايتي بكل حرية الآن , أستطيع الجلوس في المقهي وطلب الشاي , سددت متأخراتي لمتجر الرصيد ويمكنني شراء أكبر كمية إذا أردت , أستطيع شراء علبة السجائر.
ولكن وأنا بعمر ال 24 أحس بأن هناك حلقة مفقودة مساحة فراغ يجب أن يملأه شئ أو أحد...فما هو أو بإلأحرى من سيكون؟؟!!
عن الموضوع
عن الموضوع