عندما نتكلم عن الغريزة، فإننا نقصد بها أمرين:
إما تلك الرغبة التي تُحرك الإنسان لنيل شيء مادي ملموس يضمن بقاءه، وإما تلك الرغبة التي تجذبه إلى الجنس الآخر لضمان بقاء النسل.
لكن مايحكم هذه الرغبات هي اللذة والألم، فالإحساس بالألم هو الذي يجعل الشخص يبحث عن شيء لإلغائه أو خفض حدته.

إذن هناك نوعان من الغرائز، غرائز تضمن بقاء الفرد، وغريزة تضمن بقاء النوع، الغرائز التي تضمن بقاء الفرد هي الأكل والشرب والتغوط والتبول والنوم. والغرائز التي تضمن بقاء النوع هي الجنس. إذن فالغريزة ترتبط بالمادة بشكل. جوهري..

أما الكرامة فهي تلك الرغبة التي تجعل الإنسان يحس بقيمته الإنسانية، وتجعله يرفض أي شيء قد يمس بتلك الإنسانية. فهي رغبة لا ترتبط بالمادة، وإنما ترتبط بإحساس داخلي يحس من خلاله الشخص بتميزه وسموه كإنسان.
فالكرامة ليس هناك ما يبررها ماديا، إنها تجعل للإنسان قيمة في ذاته، وتجعله يسمو عن باقي الكائنات.

إلا أن الكرامة تختلف من شخص إلى آخر في قوتها الإنفعالية. فهناك أشخاص تكون كرامتهم أقوى إنفعاليا من كرامة الآخرين. عكس الغريزة حيث يتساوى فيها جميع البشر.

هنا تكلمت عن الكرامة كإحساس فردي والتي ترفض كل شيء يمس قيمة الفرد.
أما الكرامة كرغبة جماعية فهي رفض كل شيء يمس قيمة النوع (إما جماعة دينية أو أمة أو وطن أو حزب سياسي).

فهي تُبنى على أسس إعتقادية و ثقافية بالأساس.فكل الأشياء التي تمس قيمة النوع، تجعل الكرامة الجماعية تستفيق لتجعل ذلك النوع يرفضها…

شرحنا الفرق بين الغريزة والكرامة، ولكن السؤال الأهم هنا هو : أين يظهر الصراع بين الغريزة والكرامة؟
إن الصراع لن يظهر إلا بعد تقاطع الرغبتين، فرغبة الشخص في البقاء قد يصطدم مع رغبته في رفع قيمته كإنسان.
فالإنسان لا يحب أبدا أن يكون أقل من الآخرين قيمة، وفي نفس الوقت لا يريد أن يفنى.
لكن في بعض الأحيان تتقاطع هاتين الرغبتين، فمثلا هناك موظف يعمل في شركة ما، ليتقاضى أجرا، من أجل أن يشتري ماترغب فيه غريزته.
هذه الشركة بها مدير صارم، دائما مايصرخ في وجه هذا الموظف، فقيمة هذا الموظف كإنسان قد مُست من طرف ذلك المدير، هذا المدير تَعتبره كرامة الموظف شيئا يُهدد قيمته كإنسان، لهذا تقوم الكرامة بِحثه على رفض ممارسة المدير.
هنا تصطدم رغبة الغريزة ورغبة الكرامة، فالغريزة ترى في المدير شخصا يرتبط بالمال الذي تحصل به على كل شيء ترغب فيه، وبذلك لا تستطيع التنازل عنه.
أما الكرامة فترى في المدير شخصا يُهدد قيمة صاحبها، ولذلك ترفضه أشد رفض.
هنا يحدث الصراع، فإما أن تفوز الغريزة و يبقى الموظف خادما مطيعا، وإما أن تفوز الكرامة ويصبح الشخص مشردا متمردا.
والصراع يُحسم حسب قوة الكرامة، لأن قوة الكرامة هي المُتغيرة والمُختلفة بين الناس، أما الغريزة فهي ثابتة( من حيث الكيفية) ومتساوية عند جميع البشر.
عن الموضوع

التعليقات (9)

منذ 7 سنوات و3 أشهر
أحسنت أخي الفاضل ( mohamed amzil ) . موضوع فلسفي عميق .
منذ 7 سنوات و3 أشهر
شكرا لك أخي الكريم ,,,
منذ 7 سنوات و3 أشهر
أخي مشكور على هذه المقالة المميزة تابع على هذا المنوال
منذ 7 سنوات و3 أشهر
شكرا لك... صديقي تحياتي
منذ 7 سنوات و3 أشهر
ممتاز جدا و رائع
منذ 7 سنوات و3 أشهر
تحياتي لك أخي أحمد
منذ 7 سنوات و3 أشهر
موضوع متميز. شكراً جزيلاً لك اخي أمزيل :)
منذ 7 سنوات و3 أشهر
السلام عليكم

سلامت يداك اخي موضوع متعمق سررت بقرائته ..

اتمنى لك كل التوفيق
تحياتي
منذ 7 سنوات و3 أشهر
تحياتي لكم... شكرا على مروركم
عن الموضوع